على الرغم من التكامل الذي يبدو واضحا ومنطقيا بين الخدمات التي يقدمها موقع التواصل الأجتماعي فيس بوك وموقع مشاركة الفيديو يوتيوب إلا أن الحقيقة تخفي معركة كبيرة من معارك تكسير العظام تقوم بين قطبين من أقطاب الاستحواذ على الزيارات والمشاهدات على مستوى العالم، وبين مجموعة ضخمة تقدر بحوالي مليار مستخدم هم حصيلة مستخدمي ومشاهدي مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب، ومستخدمي موقع الفيس بوك للمشاركة والتواصل الأجتماعي.
وتقول الكثير من أبحاث مواقع الأنترنت أن هناك حربا خفية بين الموقعين تدور رحاها، تزامن مستواها صعودا وهبوطا منذ تأسيس الموقعين وحتى اليوم، لكن الكثير من الشواهد تقول أن هذه الحرب قد بلغت ذروتها هذه الأيام، بينما تتصارع العديد من المواقع والمؤسسات على جذب العديد والعديد من المستخدمين، والذين تحدد حركة زياراتهم العديد من التفاصيل التقنية والأقتصادية والمالية حول العالم.
نرصد معكم من خلال هذا التقرير مجموعة من أهم ملامح حرب تكسير العظام بين الموقعين الشهيرين، ومحاولة لمعرفة لماذا تحولت العلاقة بين الموقعين من التعاون الى التنافس الشرس، مع محاولة استنتاج ما ستقوم به هذه المواقع من محاولات للتضييق على بعضها البعض في المستقبل، وهل ستستمر هذه المعارك في الزيادة أم أنها ستتحول الى نمط تعاوني من جديد في ظل التحديات الكبيرة التي أصبحت تواجه الكثير من مواقع الويب حول العالم اليوم.
من الصداقة الى التنافس
في البداية كانت العلاقة بين التطبيقين علاقة صداقة حميمة. فمن ناحية كان موقع يوتيوب يستخدم لصناعة ونشر مقاطع الفيديو، ومن ثم كان صناع الفيديوهات يقومون بنشرها والتسويق لها عبر منصات التواصل الأجتماعي المختلفة ومن أهمها وأشهرها موقع فيس بوك الذي يعد منصة التواصل الأشهر والأكبر انتشارا حول العالم على الرغم من منافسة العديد من المواقع الأخرى مثل تويتر وانستجرام وسناب شاب وغيرها من المواقع والتطبيقات.
لكن بدأت العلاقة بالتوتر مع اقتحام فيس بوك عالم صناعة مقاطع الفيديو بشكل محترف، من خلال اتاحة الموقع رفع ونشر مقاطع الفيديو عبر صفحاته ولمستخدميه، وبدأ الأمر في البداية بشكل تجريبي من خلال اتاحة رفع ملفات فيديو ذات مدة قصيرة وجودة متوسطة على سيرفرات فيس بوك، ثم سرعان ما توسعت فيس بوك في الأمر وبدأت في نشر ملفات فيديو ذات مدد أطول وجودة أعلى.
لكن يوتيوب انتقدت اسلوب فيس بوك (الغير شريف) في حصد المشاهدات من خلال تشغيل مقاطع الفيديو اتوماتيكيا في صفحات المستخدمين، بالأضافة لاعتبار الفيديو قد تمت مشاهدته بعد مرور الثانية الأولى من التشغيل، الأمر الذي نتج عنه ملايين من أرقام المشاهدات التي وصفها البعض بالمزيفة أو الغير حقيقية على أقل تقدير، بينما اتجه الكثير من المستخدمين لنشر الفيديوهات الخاصة بهم على فيس بوك بدلا من يوتيوب لحصد المزيد من المشاهدات.
الصراع في المنطقة العربية
ويتخذ الصراع في المنطقة العربية ومنطقة شمال أفريقيا أبعادا أكبر، حيث وجد العديد من صناع مقاطع الفيديو أنفسهم في حيرة، ما بين رغبتهم في الاستمرار في رفع فيديوهاتهم على يوتيوب حيث المنصة التي تقوم بالدفع مقابل مشاهدة الفيديوهات، أو أن يقوموا برفع الفيديوهات على فيس بوك، وذلك للحفاظ على حقوق الملكية الفكرية، حيث لاحظ أصحاب مقاطع الفيديو أن الكثير من الأشخاص يقومون بسرقة الفيديوهات ورفعها على فيس بوك، بينما يعتمد النظام اسلوبا معقدا في الأبلاغ عن الفيديوهات التي تخالف قواعد حقوق الملكية الفكرية.
وفي النهاية أضطر صناع الفيديو اما لاعادة رفع فيديوهاتهم على فيس بوك من جديد، أو حتى صناعة محتوى مخصص لفيس بوك على أن يستمر المحتوي الخاص بيوتيوب كما هو، وأثرت كل هذه الخطوات في قدرة يوتيوب على المنافسة بعد أن ظهر في الأسواق التكنولوجية منافس جديد له يسحب منه المشاهدات بل ويسرق العديد من مستخدمين ملفات الفيديو من يوتيوب ويرفعونها على فيس بوك وسط تواطوء بالصمت من القائمين على فيس بوك، والتعقيدات الكبيرة المطلوبة من المستخدمين من أجل الأبلاغ عن الفيديوهات المخالفة ومسحها من على منصة فيس بوك.
وهكذا يمكن تلخيص تحول العلاقة بين فيس بوك وتويتر من شراكة وتعاون وخدمات متبادلة، إلى منافسة قوية وملتهبة ومحاولات من كل موقع السيطرة على عالم مقاطع الفيديو حول العالم.
رد يوتيوب
لكن يوتيوب ومن ورائها جوجل لم تقف ساكنة أمام هذه التصرفات من فيس بوك، فقامت مبدئيا بتقليل معدلات ظهور صفحات فيس بوك ذات المحتوى الذي له علاقة بالفيديو على نتائج البحث على محركها، كما قامت أيضا بتقديم العديد من التسهيلات والتطويرات على أنظمة الخدمة الخاصة بها لمستخدميها، كما طورت يوتيوب من ألية ظهور مقاطع الفيديو على صفحات نتائج البحث لتحس المستخدمين على صناعة المزيد والمزيد من مقاطع الفيديو التي صنعت خصيصا لها ما يزيد من تطور منصة يوتيوب واستحواذها على العديد من المستخدمين يوما بعد يوم
ليس هذا فحسب بل طورت يوتيوب من خوارزمياتها بحيث أضافت العديد من وسائل التواصل والمشاركة والحديث بين مستخدميها المختلفين، محولة شبكتها من مجرد شبكة لتبادل مقاطع الفيديو لما يشبه الشبكة الأجتماعية، كمحاولة منها لمنافسة فيس بوك، بعد فشل جوجل بلاس في زحزحة فيس بوك عن قمة عالم التواصل الأجتماعي، على الرغم من المحاولات القوية التي بذلتها جوجل من أجل دعم منتجها الأجتماعي الذي قال الكثير من الخبراء أنذاك انه قادر على ازاحة فيس بوك عن عرش وسائل التواصل الأجتماعي، لكن أثبتت التجربة العملية تمسك المستخدمين بفيس بوك على الرغم من الانتقادات الواسعة التي يتم توجيهها لفيس بوك بخصوص سياسة الخصوصية وبيع بيانات المستخدمين لشركات الطرف الثالث.
مستقبل العلاقة
ولعل السؤال الأخير الذي نختم به هذا التقرير، هل ستستمر العلاقة بين قطبي عالم الأنترنت بهذا السوء؟ نعتقد أن كل ما يحدث يدور فيما يمكن وصفه بـ(زوبعة في فنجال) فدائما وأبدا ما يجد أقطاب صناعة التكنولوجيا أنفسهم مجبرين اجبارا على التعاون مع بعضهم البعض وفقا لحسابات المكسب والخسارة، ولعل المشكلة الكبيرة التي اندلعت يوما بين ابل ومايكروسوفت واتخذت شكلا شخصيا بين بيل جيتس و ستيف جوبز،حيث أصر الأخير على أن جيتس سرق منجزاته وضمها لنظام التشغيل ويندوز الخاص به، ودخل الأمر في معترك قضائي سرعان ما تم التخلي عنه لتبدأ مرحلة من التفاوضات، وانتهت في النهاية للتعاون بين الشركتين الى الدرجة التي دفعت بيل جيتس لكتابة تويته يعزي فيها وفاة ستيف جوبز، على الرغم من الخصومة والعداء التي كانت بينهما.
يمكن استلهام هذه القصة كمثال عميق على أن المصالح المشتركة سرعان ما تطغي على المشكلات والأحقاد، وأن الكثير من المشكلات كفيل تلاقي المصالح والمصالح المشتركة بحلها، خاصة وأن كلا الشركتين تعمل في نفس المجال وهو مجال التواصل الأجتماعي والأعلام البديل ومحاولة الأستحواذ على العدد الأكبر من المستخدمين ومتصفحي مواقع التواصل الأجتماعي ومشاهدي مقاطع الفيديو حول العالم.