على الرغم من المزايا الكبيرة التي جائت بها الهواتف الذكية وشبكات الأنترنت والاتصالات السريعة لحياتنا اليومية، إلا أن الكثير من المضار أيضا أصابت مجتمعاتنا نتيجة هذا التطور. ومن أهم المظاهر السلبية التي أصابت مجتمعاتنا نتيجة وجود الهواتف الذكية، هو ضياع مفهوم الخصوصية وقدرة الأنسان على الحفاظ عليها، وقدرة أي شخص على حماية الأخرين من التطفل عليه أو معرفة ما ينوى القيام به في حاته وما يخطط له من أمور قد لا يريد مشاركتها مع الأخرين، أو على الأقل لا يريد سوى مشاركة قدر يسير منها مع من يعيشون حوله، فما بالك بمن يعيشون على الطرف الأخر من العالم!
ومن خلال هذا الموضوع نستعرض معكم السؤال الهام: هل أطلقت الهواتف الذكية رصاصة الرحمة على الخصوصية؟ وهل يمكن التوقف عن استغلال الهواتف الذكية لحاجاتنا لها ومنعها من تسريب المزيد والمزيد من المعلومات الخاصة بنا؟ ومن المسؤل الأول عن هذا الطوفان الغزير من المعلومات الذي يتسرب للشركات والحكومات يوما بعد يوم؟ وهل العودة لاستخدام الهواتف التقليدية يعتبر الحل الأمثل الذي يمكن الاعتماد عليه لايقاف انتهاك الهواتف الذكية لخصوصية المستخدمين الذين يقبلون يوما بعد يوم على شراء الطرازات الأحدث والاغلى من هذه الهواتف؟
الهواتف الذكية ضد الخصوصية
تشير الكثير من الدراسات العلمية التي تم أجراؤها مؤخرا أن معدلات انتهاك الخصوصية حول العالم قد تزايد بشكل كبير ومتناسب طرديا مع مقدار التطور المصاحب لصناعة الهواتف الذكية حول العالم. فمع انتشار شبكات المحمول السريعة وبرامج المشاركة الاجتماعية أصبحت خصوصية المستخدمين بمثابة الوهم الذي يتراجع يوما بعد يوم، ويتنازل المستخدمين حتى عن خصوصيتهم بأيديهم مع كل ابتكار جديد يغزو هذا العالم من تقاليع السوشيال ميديا وابتكارات عوالم المشاركة الاجتماعية.
لكن يبدو أن الكثير من تقنيات المشاركة الاجتماعية وبرامج التواصل مع المستخدمين الأخرين، أو حتى البرامج التي يستخدمها الكثير من بصفة يومية لانجاز العديد من مهامنا اليومية سواء على مستوى العمل أو العلاقات الشخصية والأنسانية، تقوم هذه البرامج بحصد المئات من الأخبار والتحديثات بخصوصنا، وتخترق خصوصية المستخدمين بشكل مستمر ليل مع نهار اما لحساب من قاموا بتطويرها أو لحساب جهات أخرى غير معلومة.
التجسس على الهاتف
ويعتبر التجسس على الهواتف الذكية واحد من أشهر أعمال التجسس التي تتم الملايين من عملياتها بشكل يومي على مدار العالم، وتسجل الهواتف العاملة بنظام أندرويد معدلات أكبر بكثير من هواتف أبل العاملة بنظام IOS وتأتي معظم عمليات التجسس من خلال دخول الأشخاص على مواقع التواصل الأجتماعي، وتسجيل اشتراك جديد والموافقة على بنود الخدمة.
وفي تقرير نشرته بي بي سي مؤخرا، يحاول التقرير الأجابة على سؤال: أنا لم أوافق على التجسس علي وهذا الأمر غير قانوني فيقول التقرير نصاً:
في الواقع أنت اشتركت، والأمر قانوني فعلاً. ففي كل مرة تدخل فيها إلى موقع تواصل اجتماعي أو تستخدم خدمة إنترنت مجانية، مثل موقع فيسبوك، فإنك تختار بمحض إرادتك أن تكون كل حركاتك مرصودة بمجرد استعمالك لهذه الخدمة.
لسوء الحظـ، فإن الدخول إلى هذه المواقع والخدمات يترك وراءك كماً من المعلومات الشخصية المفصلة والتي يمكن بسهولة تجميعها لتشكل صورة متكاملة وواضحة عنك وعن هويتك.
لكن الناس في العادة لا يقرأون ما تكتبه الشركات عن سياساتها، فحسب ما تقول مجموعة “ويتش” الخاصة بالمستهلك، فإن مجموع كلمات الوثيقة التي تتضمن سياسات وشروط شركة باي بال تبلغ 36 ألف و275 كلمة، أي ما يزيد في طوله عن مسرحية هاملت لشكسبير.
أنت الجاسوس!
ووفقا لقراءة الظروف الحالية، وبعيدا عن عمليات الخداع، فأن العديد من المستخدمين يمارسون هم أنفسهم التجسس على أنفسهم، من خلال مشاركة كل ما يحدث في حياتهم اليومية من خلال شبكات التواصل الأجتماعي، فمن خلال شبكة انستجرام يتشارك الناس الصور ومن خلال فيس بوك يتبادل الناس النكات والمواقع الجغرافية على أرض الواقع، ومن خلال تويتر للتغريدات القصيرة يتبادل العديد من الأشخاص الكثير من المعلومات الخاصة والحيوية والهامة دون دراية أن هذه المواقع تجمع وتحلل ملايين المعلومات عنهم كل يوم، وأن حتى أن لم يصبهم مكروه بسبب كل هذه المعلومات التي يتم تسريبها فعلى الأقل سيتم استخدام هذه المعلومات من أجل الوصول الأعلاني المكثف والصحيح للمستخدمين وهي الخدمة التي تضمن للمعلنين الوصول للشرائح الصحيحة والمناسبة من الناحية العمرية للمستخدمين حتى يقبلوا على شراء المنتجات التي يقوم بعرضها المُنتج.
برامج حماية الخصوصية
لكن الوضع ليس قاتم الى هذا الحد، فهناك العديد من التطبيقات والبرامج التي تقوم بحماية الخصوصية، وتعتمد الفكرة الاساسية لهذه البرامج على تزييف الموقع الجغرافي الذي يقوم الشخص باستخدام هاتفه فيه، بالاضافة للتلاعب ببروتوكولات الأتصال بالأنترنت لمحاولة تضليل أي محاولة لتعقب الهاتف أو التجسس عليه، لكن هل تجدي هذه البرامج نفعا مع برامج التجسس التي تتطور ويتم تحديثها يوما بعد يوم؟
في واقع الأمر أنه بالتزامن مع تحديث برامج حماية الخصوصية، يتم تحديث برامج التجسس هى الأخرى للتغلب على المشكلات والعقبات التي تضعها لها البرمجيات التي تحاول ايقاف عملها. وسيستمر هذا الصراع الازلي بين برامج تسريب المعلومات واختراق الخصوصية وبرامج حماية الخصوصية، لكن يبدو أن الخصوصية تخسر يوما بعد يوم أرضا جديدة أمام سيطرة برامج فك التشفير ومحاولة معرفة المعلومات الخاصة بمستخدم الهاتف الذكي.
هل الهواتف القديمة أكثر أمانا؟
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل العودة لاستخدام الهواتف التقليدية يصبح أكثر أمانا أو اقل استنزافا للخصوصية؟ في الواقع نعم. ففي ظل سيل المعلومات التي يقوم المستخدمين بتسريبها طواعية عن نفسهم عبر شبكات التواصل الأجتماعي، يظهر استخدام الهواتف القديمة والغير مزودة باتصال سريع بالأنترنت أو القدرة على الوصول للبرامج الحديثة الخاصة بالتواصل الأجتماعي نوعا من أنواع الحماية الذاتية والرقابة التي يضعها المستخدم بنفسه على نفسه.
لكن على الرغم من هذا يظل خطر تسريب الموقع الجغرافي قائما، حيث من الممكن لمن يملك الخبرة المناسبة أن يقوم بالتجسس على الموقع الجغرافي الحالي لمستخدم الهاتف المحمول مهما كان طرازه، ويعتبر التجسس على الموقع الحالي من أهم تسريبات الخصوصية التي يمكن أن يتعرض لها أحد الاشخاض. حيث يعتبر الموقع الجغرافي من أهم البيانات سرية ويعتبر الحفاظ عليها من أهم ما يمكن أن يقوم به مستخدم الهواتف الذكية.
كيف تحمي خصوصيتك؟
ويمكن حماية خصوصية المستخدمين من خلال مجموعة من الأجراءات أهمها
- يجب أن تتقبل فكرة أن خصوصيتك معرضة للخطر وأنه لا يمكن حمايتها بنسبة 100% مادمت قررت التعامل مع شبكة الانترنت أو فتح حساب على مواقع التواصل الأجتماعي.
- يجب عدم مشاركة اي بيانات حقيقية عن نشاطك على أرض الواقع مثل الموقع الجغرافي أو المدينة الحالية أومكان قضاء العطلة الأسبوعية أو أي شىء اخر قائم على نفس المبدأ.
- يفضل عدم استخدام الأسم الحقيقي أو مشاركة الصورة الحقيقية على مواقع التواصل الأجتماعي، وعدم الأدلاء بأي بيانات بخصوص الزوجة والأولاد أو بيانات الكروت الائتمانية وارقامها السرية وكيفية استخدمها.
- يجب الحرص على تحديث أنظمة التغشيل الخاصة بالهاتف لأحدث نظام والتأكد من أن الهاتف لا يحتوي على أي ثغرات قد تؤدي لتسريب بيانات تضر بالخصوصية.