إدمان الهواتف الذكية.. هل هو مرض حقيقي؟
في المطعم، جلست عائلة مكونة من خمسة أفراد على الطاولة المقابلة لي، لم أنظر لهم، فقط لاحظت بعد فترة أنهم جميعًا يتصفحون هواتفهم الذكية، الأم والأب والأبناء يحدّقون في هواتفهم والطعام أمامهم نصف مأكول، وعلى طاولة خلفهم، جلس شاب وفتاة يمُسكان أيضًا بهواتفهم المحمولة دون النظر إلى بعضهم البعض، حتى عندما قررا دفع الحساب طلبوه وهم ينظرون في هواتفهم الذكية.
اقرأ أيضًا: رقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة سامسونج ستتفوق على الخاصة بأبل وهواوي
لا تفهموني خطًأ، فأنا لست ضد التكنولوجيا، بل على العكس أرى أن وجودها مهمًا في حياتنا، خصوصًا ككاتب مقال، تُتيح لك التكنولوجيا الكثير من المعلومات والحقائق والمصادر المطلوبة لكتابة مقالك، لكن هُناك مرحلة من استخدام التكنولوجيا والهاتف الذكي تحديدًا قد تكون ضارة ومزعجة لك ولمن حولك من أصدقاء وعائلة، مرحلة تُشبه إلى حدٍ ما مراحل الإدمان، فهل يوجد شيء اسمه إدمان الهواتف الذكية؟ هل يمكننا اعتباره مرضًا حقيقيًا؟
اقرأ أيضًا: رسميًا: أول مستشعر بصمات مصنوع من الزجاج
إدمان الهواتف الذكية.. جرعات مكثفة من التكنولوجيا
الجميع تقريبًا يستخدمون الهاتف الذكي، الكبار والصغار، الطلبة في المدارس والجامعات، المستهلكين في المتاجر والبائعون أيضًا. عام 2012 أجرى مركز البحوث (PEW) الأمريكي بحثًا بعدما ارتفع عدد مستخدمي الهواتف الذكية من 25% إلى 46% في عام واحد، وأجري البحث على 1600 أمريكي، وأعلنت د. ليسلي بيرلو، الأستاذ بكلية إدارة الأعمال جامعة هارفرد، عن نتائج البحث والتي كانت كالآتي:
- قال 70% منهم أنهم يتحققون من هواتفهم الذكية في أول ساعة من استيقاظهم.
- قال 56% منهم أنهم يتحققون من هواتفهم الذكية قبل نومهم بساعة.
- قال 48% منهم أنهم يتحققون من هواتفهم الذكية في العطلات والأعياد.
- قال 51% منهم أنهم يستعملون هواتفهم الذكية بشكل مستمر خلال العطلات.
- قال 44% منهم أنهم سيُعانون من القلق المَرَضي لو أضاعوا هواتفهم ولم يستبدلونها خلال أسبوع.
وهذا كله كان قبل أن يتحول الهاتف الذكي إلى شيء من الأساسيات لدى الجميع، لكنه كان يُنبئ بمستقبل الهواتف الذكية، ما جعل البعض يتسألون عن إجراءات الآمان الخاصة باستعمال الهاتف الذكي، حتى لا يُستعمل في أوقات تحتاج إلى التركيز مثل قيادة السيارة أو حتى عبور الشارع مشيًا، وأيضًا مدى تأثيره على المستوى الدراسي للطلبة وغيرها من المخاوف التي ظهرت وقتها.
اقرأ أيضًا: الإعلان عن أغلى ساعة ذكية بسعر 3 مليون جنيه مصري تقريبًا
قالت الكاتبة نانسي كولير صاحبة كتاب “قوة الإغلاق – The Power of Off”، إنها تحب التكنولوجيا وتحب استعمالها، لكنها تحب أيضًا إغلاقها والتنزه قليلًا أو الخروج مع أصدقائها والتحدث مع عائلتها، وأضافت أنها ترى أن الاستعمال المتوسط لكل شيء أفضل من الاستعمال المستمر والمتطرّف، فالاستعمال المتوسط يؤدي إلى بناء علاقة صحية بيننا وبين أجهزتنا، حيث أصبح البعض عبيدًا لأجهزتهم بدلًا من جعلها مُحررة لهم.
اقرأ أيضًا: مميزات وعيوب هاتف Oppo A83
وأوضحت “كولير” أن معظم مستخدمي الهواتف الذكية يتحققون منها ما يقرب من 150 مرة في اليوم، بمعنى أنهم يلقون نظرة على هواتفهم مرة كل 6 دقائق، ويرسلون ما يقرب من 110 رسالة يوميًا، حيث يقول 46% منهم أن الهاتف الذكي أصبح شيء لا يستطيعون العيش دونه، وهو ما لم يصبح غريبًا حاليًا، حيث أصبح الهاتف الذكي ضمن أولويات البشر بشكلٍ واضح.
اقرأ أيضًا: مزايا وعيوب هاتف Xiaomi Mi Mix 2
قال أيضًا مُحققون من جامعة ميرلاند الأمريكية ضمن مشروع “The World Unplugged Project” أو العالم غير موصولًا، إن أغلبية الطلبة في 10 دول مختلفة أجمعوا على عدم قدرتهم العيش لمدة 24 ساعة دون هواتفهم الذكية، مما جعلهم يعتقدون أن الهواتف أصبحت تتحكم في البشر لا العكس.
اقرأ أيضًا: كيف تستطيع شركة سوني منافسة آبل وسامسونج
قالت “كولير” إننا أصبحنا دائمًا في حالة إرهاق وتوتر، حيث لا يهدأ جهازنا العصبي أبدًا، فالإنسان يحتاج إلى التعامل مع الطبيعة حتى يتمكن من إراحة جهازه العصبي قليلًا، رغم أن الأجهزة تُعيد تغلق نفسها بنفسها إذا انتهى شحن بطاريّاتها، لكننا نعمل طوال الوقت، أو نتفاعل مع ما حولنا من أخبار ومشكلات، أو ندخل بالفعل في مشكلات بسبب تعليق غير مناسب على أحد المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضًا: مقارنة الهواتف الأكثر جدلًا Oppo F5 و Huawei Mate 10 lite
وأضافت “كولير” أن الاتصال البشري أهم من الاتصال على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أن حضورنا وتركيزنا هو أهم ما يمكننا منحه للبشر، فالعلاقات الالكترونية لا تؤدي إلى علاقات أكثر صلابة ومحبة ودعم. ولفتت “كولير” الأنظار أيضًا إلى أن الأطفال أصبحوا يستخدمون الهواتف الذكية أكثر من اللعب والخروج والتعامل مع الطبيعة، مما يؤثر على صحتهم البدنية وأيضًا مهاراتهم الاجتماعية، مما قد يُصيبهم بإدمان الهواتف الذكية.
اقرأ أيضًا: أفضل هواتف يمكن تركيب فلاشة بها
هل هو بالفعل مرض يُمكن تشخيصه؟
قال د. ديفيد جرينفيلد، عالم النفس ومؤلف كتاب “الإدمان الظاهري – Virtual Addiction”، إننا نعلم حاليًا أن البعض يستخدمون الانترنت بشكل يبدو مَرَضي أو كإدمان، لكننا لا يمكن أن نرى أن الأمر ينطبق على الهواتف الذكية حتى الآن، حيث لا يوجد تشخيص حتى الآن اسمه “مُدمن الهواتف الذكية”، فإدمان المخدرات مثلًا ينطوي على الاحتياج للمزيد منها حتى يتمكن المدمن من الانتشاء، وأعراض الانسحاب منه مؤلمة وتأثيره السلبي يطال جميع جوانب الحياة.
اقرأ أيضًا: أفضل الهواتف العاملة بنظام أندرويد نوجا
لكن هذا لا يمنع من أن التشخيص بإدمان الهواتف الذكية يمكن أن يظهر في المستقبل، حيث أصبح استعمال الهواتف الذكية يُعطي أحيانًا شعورًا بالمتعة، خصوصًا مع تزايد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتويتر، حيث يشعر بعض المستخدمين بالرضا والمتعة عن التفاعل الكبير مع ما ينشرونه، وهو ما يتشابه مع سلوكيات الإدمان نسبيًا. وحدد الخبراء في عيادة كليفلاند للصحة السلوكية بعض الأسئلة التي قد تُظهر مدى اقتراب المستخدم من الإدمان:
- هل استخدام الهاتف الذكي يقف في سبيل عملك ويجعلك غير مُنتبهًا لما تفعل؟
- هل تُفكر في هاتفك الذكي حتى وأنت لا تستخدمه؟
- هل تشعر بالتوتر عند لا تكون ممسكًا بالهاتف الذكي؟
- هل تستخدم الهاتف الذكي لوقتٍ أكثر من المتوقع؟ هل قال لك أحد أفراد عائلتك أنك تستخدم بإفراط؟
وإذا كانت جميع الإجابات بنعم، فهناك بعض النصائح التي يُمكنها مساعدتك في تقليل عدد ساعات استخدامك للهاتف الذكي:
- كن واعيًا من الحالات والعواطف التي تدفعك للتحقق من هاتفك، هل هو الشعور بالملل؟ الوحدة؟ القلق؟ هل هو شعور آخر مختلف؟ فمعرفة الشعور ستُساعدك على التخلص منه حتى تتخلص رويدًا رويدًا من التحقق من الهاتف طوال الوقت.
- كن قويًا تجاه الإشعارات، إغلقها أو لا تتحقق منها طوال الوقت، واستمتع بنزهة أو حمام دافئ.
- كن مُنضبطًا بشأن استخدام هاتفك وابعده عنك قدر المستطاع خصوصًا أثناء القيادة والجلوس مع الأطفال أو في مقابلاتك مع أصدقائك، أو خصص وقتًا لا تستخدم فيه الهاتف، وستندهش وتتعجب وتسر لإعادة اكتشاف فكرة التحكم في انتباهك.
في النهاية، حاول أن تستمتع بالتكنولوجيا، وأن تستمتع أيضًا بحياتك مع عائلتك وأولادك وأصدقائك ونفسك، ولا تجعل الهاتف الذكي يستحوذ على وقتك وانتباهك.
اقرأ أيضًا: مراجعة هاتفي موتورولا Moto G5s وG5s Plus
التعليقات
You must be logged in to post a comment.
كن اول من يضع تعليق !